"مـــا أسهل الــــــفــــرح ......"
" بسم الله ..." وشمر كمي سرواله وأسلم رجليه لسواطير المالح يعمل شفراته في عظامه .......مازالت الشمس تغط في نومها العميق لما انسلّ من فراشه واعتلى دراجته العجوز واستقبل الريح ..
يحدوه نفس الأمل، نفس الحماس .....نفس الحلم ..........يشمر المتوسط عن ثوبه الأزرق
فيتقدم ويتقدم ...........قفزات الأسماك التي يفرغها من "الدرينة" إلى السلة تحرك قلبه . حمله القارب إلى المكان الذي يعرف قاعه عشبة عشبة...... يعرف حجارته ... يعرف ماءه ..........ويعرفه الطريق إلى بيته الثاني حيث يفتر ثغر الأفق عن ابتسامة يتسلل من خلالها أول شعاع خجول للشمس ........يجدف مقتربا.......
حفيده الوحيد حين يضع أمامه صيد يومه، تدني جدته من وجهه سمكة مختلجة يقفز كالسمكة ويصرخ ......ويفرح ....يفرح أيما فرح ....ما أسهل الفرح................
الموج حين يحمل إليه لعبة يقدمها له حين يعود .......قارورة فارغة تملؤها فاطمة فلفلا حارا للأيام الباردة .......علبة اسطوانية حمراء بلون علب المجوهرات في الأفلام المصرية .......
فرك عينيه وهو يتأملها وتتأمله ........انتشلها من الماء ..أجال بصره من حوله فإذا المراكب تزحف نحو رزقها .......تفحص العلبة بقلب واجف ويدين مرتجفتين ......تلمس الشريط الذهبي الذي يحيط جيدها ..........رفع عينيه إلى السماء .........
" الحمد لله " وأرخى الثوب الأزرق على ركبتي الشاطئ .......
انحنى يقبل حفيده وفي عينيه نظرة واعدة...........دخل الفراش وادعى المرض ......
أسرعت زوجته تشعل الكانون ... بخرت المكان ......كأس الشاي المعهود لا يريده .......
تحت الفراش يداه تتحسسان الاسطوانة ..................حين احتضن الطفل حدّثه :" سأشتري دراجة تناسب قدمي ....لن يضحكوا عليّ وأنا أنتظر وصول الدواسة إليهما ..سأفسّحك عليها .......سأشتري لك الشوكولا والحلوى والبسكويت ....و....سأريح فخاري من الملح ....وسأفتح دكانا أبيع فيه "الياغرت" والحليب و الدخان .....سأشتري حمارا بعربة زرقاء لجدتك فاطمة ....ستأخذك معها إلى الغابة حين ينضج التين والعنب والبلح ....."
وينظر إليه الطفل نظرات غريبة ........تحت الفراش يداه تتحسسان الجسم الأملس ، تقربانه من الصدر ....تلفانه جيدا وتدفئانه ............رائحة الثروة ...ما أعطرها ....
يلوح نعيمها على وجهه وقد أشرق للفرح ........نظرت إليه زوجته نظرات مرتابة وهي ترصد حركة يديه .........هزت رأسها وجذبت الولد وعلى شفتيها نهر من الكلام لم تقله .......
لم تكن قد ابتعدت كثيرا حين دوى الانفجار و انهار السّقف ......
وما زالت أنامله تداعب الشريط الذهبي ............
الدرينة :هي عبارة عن فخ تنتهي بها متاهة مخطط لها
الشرفية :هي تقنية يعتمدها أهالي الجزر في الصيد وهي عبارة عن بيت يبنى في البحر بوسائل من المحيط (جريد النخل شباك وخشب )