على مستوى الهندسة المعمارية للهيكل البنيوي للرواية
[size=18]نلاحظ اشتمالها على جزئين:
1 – ورقات وتمثل عرضا لمحتويات الملف الذي وجد بالحقيبة المدسوسة قصدا في صندوق السيارة، وتوظيف ما تحمله من معلومات في إرساء القواعد والأسس التي ارتفع عليها بناء الرواية وقد كانت بمثابة المواد الأولية التي هيّأت لهذا البناء أن يقوم وان يثبت على أرضية صلبة وبمواصفات معمارية يطمأنّ إليها، هذه الورقات يمكن إدراجها تحت عنوان: الوثائق، وهي مجموعة من الأوراق عددها عشرة وتشتمل على: مذكرات ورسائل وأخبار صحفية، تصحبها أحيانا حواش وتعاليق وتغطي الجزء الأول من الرواية إلى حدود ص 43 ويمكن تصنيفها كما يلي:
أ) المذكرات: انهيار القناعات وامتداد دهاليز الرعب
ب) الرسائل: حسيس البوح الوجداني/ تواشيح اللغة على همس العواطف: وثمة مقاطع بنكهة الشعر: يقول في صفحة 27:" في عينيها تتألق الربى والسهول، وتتقافز في شبه سباق لاحتضان الالق والنور والزرقة العجيبة التي تتغلغل بها السماء في ابريل وماي، بذخ السنابل وخصب الحقول، غناء الرعاة وثغاء القطيع وميس القطا وهزج الحجل، وأنفاس المراعي".
ج) الأخبار الصحفية: صدى تخلخل البناء الاجتماعي: إيحاءات بعيدة ذات ملامح نقدية ومنها: احمد عنبه يتصدى إلى خزعبلات العقلاء، ص 32/33
د) مصادر مختلفة للخبر: لسان الشارع وتواتر الإنباء، ومنها : احمد عنبه يعالج جنون البقر ص31، إيحاءات بعيدة نشتمّ منها رائحة النقد السياسي للقوى المتغطرسة في العالم.
2 – الجزء الثاني من الرواية وهو الأطول ويمتد من ص 41 إلى صفحة 125: الخروج من الوثائق ويندرج تحت العناوين التالية:
الحلم / في صحبة الأميرة / خبر الدليلة / هندسة الروح / بوادر الشك / رحلة صيد / في ضيافة إبليس / هدايا إبليس / عودة الراهب البوذي / مخلفات الحلم / الحيرة
ويمثل ما كتب تحت هذا العنوان الأخير أطول فصل في الرواية كلها يمتد من ص 65 إلى ص125 محتلا بذلك ثلث مساحة الرواية، ما يؤكد أن هذا العمل الروائي إنما هو وليد حيرة ومثير للحيرة وممثل لها وان الحياة كلها سؤال وحيرة أمام كل شيء فيها ولا يسعد بها إلا من امتلك الاطمئنان الغبــي.
في النهاية يعود النص إلى الورقة عدد 10 ليختم بها هذا العمل الروائي بالوثيقة الأخيرة على كلمة "انظر" فعل أمر للغافل المطمئن المنساق مع التيار المتواطئ مع زيف القناعات ذلك الذي لا يستعمل النظر – والنظر نظران- فما أحوجنا إلى أن ننظر بتبصر ووعي إلى حالتنا البائسة في هذا العالم المليء بالتحديات الذي بدا الإنسان فيه يفقد إنسانيته أو يتنازل عنها. وما أحوجنا إلى أن نعمل التفكير في وضعنا الخادع و نعيد النظر في علاقتنا بكل هذا الطوفان الجارف من المظاهر الكاذبة حتى على مستوى العلم والدين .
و تكون الخاتمة بتعليق صغير ينبه إلى أن في الوثيقة اسطرا مشطوبة و تاريخا غير واضح – ومتى كان التاريخ واضحا وموضوعيا - و الإنسان الأناني يطمس معالمه و يغيره باستمرار بل و يدنّسه فلا شيء واضح لدينا في هذا الكون لا شيء يدعو إلى الاطمئنان.
وأخيرا يتوقف لكاتب عن الكتابة و تستمر أحداث الرواية خارج النص لتبقى مفتوحة على التأويل فاتحة في ذهن القارئ أبوابا لا متناهية للشك والحيرة، مجالا للتفكير وإعادة النظر في كثير من القيم والقناعات السائدة يقوّض بعضها بعضا، فالرواية في الحقيقة جملة من الثنائيات المتصارعة المتصادمة منها ثنائية الانتصار والانكسار في سيرة الدكتور مسعود/ احمد عنبه، ثنائية الوهم والحقيقة في (الحلم) و(مخلفات الحلم) ، ثنائية الزيف والصدق، الواقع والخيال، المادي والروحي... إلى آخر هذه الثنائيات المتضاربة التي انبنت عليها هذه الرواية المراوغة المبطنة صورة لحياة الإنسان الفرد يتلاشى أمام هيمنة المجتمع المنافق... فكيف يمكننا أن نميز بين الحقيقة والوهم...؟
كيــــف.............................؟؟.
نتهــــــى
الهادي العثـــماني