ملتقـــــى جمعيـــة الوشــــم الأدبــــي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى جمعية الوشم الأدبي ببنقردان فضاء مفتوح لكل المبدعين
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 شاعر وقصيد الشاعر الهادي العثماني

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
الهادي محمد عرجون
Admin
الهادي محمد عرجون


ذكر عدد الرسائل : 36
العمر : 47
تاريخ التسجيل : 30/12/2007

شاعر وقصيد الشاعر الهادي العثماني Empty
مُساهمةموضوع: شاعر وقصيد الشاعر الهادي العثماني   شاعر وقصيد الشاعر الهادي العثماني I_icon_minitimeالسبت مارس 14, 2009 1:12 pm

شاعر وقصيد
مع قصيدة سأغدو الشاعر الباكي للهادي العثماني
من مجموعة :آخر الأغنيات على مرافئ الرحيل




{ ...إن النقد يريد أن يضفي على حديقة الشعر شبه الوحشية شيئا من التنظيم ، ولكنها في حاجة إلى شيء آخر جديد، شيء أقل شبها بالتعشيب، وأكثر شبها بالري، إنها تحتاج إلى الأقل من الأحكام والأكثر من العطف، الأقل من النقد والمزيد من التفسير الصريح }. جبرا إبراهيم جبرا
 {"الأدب هو كيفية جمالية ،والجمالي المرتبط على نحو وثيق بالعواطف الإنسانية هو المعيار الوحيد الذي لا غنى عنه في العمل الأدبي "} غاو شيانغ جيان

من هذا المنطلق أريد أن ألج محراب الشعر لدى الهادي العثماني متمثلا بقولة لصاحب كتاب البدائع والطرائف، نصها : "من لا يدخلنا إلى هيكل أحزانه لا نستطيع الدخول إلى بيت مودته! "
فبالحب وحده دعنا ندخل محراب الشعر لدى هذا الشاعر العاشق الحزين ، دعنا نلج بيت مودته نجلس إليه فليلا وعلى مائدته قصيدته الرائعة: سأغدو الشاعر الباكي. حيث ننال ما طاب من بدائع طرائفها !
جلسنا إليه ،وبعد أداء واجب الضيافة من رجل كريم ،حدثنا حيث الهمس والصدق! وإذا لسان حاله يقول :كل الرجال تجرحهم يوما امرأة ! ويغدون طول العمر يحملون جراحاتهم نازفة ،ومن الصعب أن تندمل سريعا جراح الحبيبة الأولى .
نتمعن في ما يقول فنتساءل : من منا لم يجرحه يوما حب امرأة، وفي سويداء القلب منه تستقر سهامها ،ويستحيل حبها مع الأيام هوسا دائما وشجى عميقا، يطوح به بين خمائل جنات أثيرية حينا ويرميه بين دوَامات الأسى والعذاب أحيانا!
يواصل الهادي :الحبيبة الأولى كحب الوطن، تظل ثاوية في مرافئ قلوبنا وكثيرا ما نخال أننا نسينا جرحها وشفينا من عذاباته ، ولكن مع هبة أول ريح ،مع كل خريف، مع بداية زوابعه الرعناء ،ورياحه الهوج ،يضطرم من خلال الرماد جمرا ملتهبا يتلظى، ويبعث من جديد كما يبعث طائر الفينيكس، من خلال اللهب والدخان، ذلك الحب القديم، فيهتز المركب الثاوي على مرافئ قلوبنا، ينشط وينشر قلاعه وينطلق مدلجا مع التذكار، يرتاد بحارا ومحيطات شاسعة، تئن فيها الرياح ، قائمة في العمق من فضاءات نفوسنا ،تناوشه الأمواج ،وترض ألواحه الصخور ! وإذا نحن في أسى وعذاب تعاودنا أوجاع الحب الأولى، تحرضها الذكريات والأشياء، يؤجج ضرامها الخريف .وترانا نتساءل في لوعة وذهول مع الشاعر الياباني" شيساتو " :
"عندما أشاهد القمر في ليالي الخريف، تجتاحني ذكريات حزينة ! فهل الخريف لا يتحامل مشتدا إلا علي؟."
يتوقف الهادي ضائعا في لجج الذكريات، فنتساءل: أليس كلنا ذاك الرجل ؟ ولكن من منا استطاع إيصال تجربته للآخرين على نحو حي مضطرم ؟قلة ولا شك أولئك الذين أوتوا من مرهف الحسَ والقدرة على التبليغ شأوا يجعلهم قادرين على إشراكنا بعمق وحرارة، فنحس نشيج آلامهم وشجن عذاباتهم حد الانصهار والتوهج ! أولئك قلة شفَت نفوسهم، ورقت مشاعرهم، حتى استحالت آلة عجيبة تكفي أقل لمسة أو نقرة على أزرارها كي تغمر شاشات نفوسهم شتى الصور والأخيلة والظلال والأنغام، فيستحيل بوحهم صدى لسانفونية عجيبة يجرَحها الشجن والحنين .وإذا قصيدة "الشاعر الباكي "بعض هذا الشجن وهذا الحنين
غدا آتي فلا ألقاك
لا أجد سوى أثر لك باقي
على صفحات أوراقي
وصورتك ، وقصيدا قلته فيك فأعجبك ...
هكذا تقذف بنا هذه القصيدة إلى أجمل لحظات الماضي، وإذا امرأة من الزمن الجميل ترفع راية الحب تتألق حيالنا في حضور غريب، كاللهب الخالد ،فتحتدم الأوجاع ! ومن يمَ الوجع ،ينشأ الإبداع وهجا صاعدا من أعماق النفس حينا، وحينا ماء ثجاجا تهتز له النفس وتسمو . ومن صدق المشاعر يتولد الإقناع ، فإذا المبدع والمتلقي يلتقيان ويمتزجان ،وإذا هما شريكان في متعة اللحظة وعذابها لذة التجربة ومرارتها في يمَ من اصطخاب المشاعر يصطرعان
وخلفت بعض هداياك
رسائلك
وعطرا نافذا يسري بقاعتنا
وأوراقا معلقة
أرى فيها محياك
هناك كنت جالسة ...
إن مقدار الصدق في هذه القصيدة هو الذي يجعلها تقتعد مكانا مرموقا بين القصائد الجيدة حقا ،إن لم تتفوق عليها بهمسها المزمجر ،وبساطتها المدوخة. وإني لأقارنها تلقائيا بقصيدة ميخائيل نعيمة "أخي" على ما بين الأثرين من تباعد من حيث الموضوع، ففي كليهما تظل للهمس الدافئ قوة جبارة تكتسح كل عواطفنا، وتستثير نفوسنا وكأنما هي سيل جارف يجتاز سهلا فيعرق كل شيء فيه
هكذا هذه القصيدة بهمسها وحده وبصدقها العجيب تغتصب منا الآهات والزفرات وحتى الدموع ! لهب الذكرى فيها متأجج العنفوان، والأماكن والأشياء فيها تضج بذكريات لهَابة شديدة النهش والعض. وإذا الأشياء الصغيرة العادية :صورة على الجدار، مكتب في قاعة تدريس، خربشات على سبورة إضافية طلَاسة قديمة ممزقة، نافذة عادية في قاعة مشرعة على فضاء، توزيع شهري قديم مازال معلقا على الجدار . تختزن طيف امرأة ساطعة الحضور بغيابها ! همسها ، عطرها ، لغاها، أريج كلماتها قدها المياس ،مفاعيلها الفاعلة في القلب تنشط فجأة، تنبعث من الأشياء . هي بعينها شديدة الحضور بكل تفاصيلها : تصفيف شعرها، لون ثيابها ،كعب حذائها، خزامى عطرها، السحر العاصف في عيونها الواسعة الكحيلة ،رنة الحنان في لثغتها وهي تحاور المحبوب ،تحدثه عن الشعر والحب والأحلام، وإذا أنفاسها بدفئها الحالم وشذاها المسكر، تدوخ الشاعر وتفعل به ما فعلت أنفاس" عزة " بكثير، وأنفاس ليلى بالمجنون ! هكذا تفعل "إلهام " بشاعرنا ، وأين إلهام من عزة وليلى ؟ أين المحكي المحنط المستهلك من الوهج الحي الذي تختزنه هذه التجربة بما فيها من صدق وعذاب آخذا باضطرامه كل جوانب النفس يغلفها بالأسى واللهيب ؟!
هاهي إلهام بعنفوان طلعتها ، يا لقدها الشهواني الرائع كنخلة تدخل القاعة ،تتقدم من مكتبها ،تسحب الكرسي إلى الخلف وتجلس كغمامة ماطرة ينحسر ثوبها قليلا عن ساقها فإذا العاج والبلور يصطرعان .تمد يدا خجلى تعيد الثوب إلى مكانه فينتهي الصراع ...تأخذ قلمها وتفتح دفترها ، ترفع رأسها متأملة تقتنص فكرة ، تأتي الفكرة سريعا ينتفض الرأس منتشيا ،يضطرب الشعر الناعم ويهتز ،تعيده إلى وضعه كما كان كما تسوي سنونؤة ريشها إثر هبة نسيم . تشرع في الكتابة ،تصير الصفحة البيضاء غديرا أزرق ،بحرا صغيرا وحدها تعرف شطآنه وأبعاده ينجزه قلم إلهام موجة موجة..ها هي الأحرف المليسة تحفر في القلب الجراح هاهي الفواصل والنقاط تتطاير فراشات حائرة ،ها هما النهدان يطلان على الغدير غزالتان نزَاعتان إلى الحرية والارتواء ثم ترتدان بيسر وتبتعدان كحمامتين خائفتين . وتهب نسمة مفاجئة بين الباب والنافذة فيختل قليلا تناسق تسريحة الشعر من جديد ،فتمتد اليد اليسرى تعيد انسدال الليل على الليل ،وإذا الشاعر يفاجئها تسجل خواطرها ،فيتضرج الوجه حياء وتسجد الأهداب السوداء الطويلة خفرا !. ونعرف القصة أخيرا ،لقد كانت تكتب قصيدة غزل قالها الشاعر فيها . ذلك سر الخفر والحياء على محياها ...
يقولون أن الشاعر الحقيقي هو الذي يستطيع أن ينقل لهب مشاعره إلى حقول الآخرين فيشعل فيها الحريق ، فهل نجح الهادي في ذلك ؟ أي مشاعر أكثر من هذه حرارة ولهبا يمكن أن يضرمها شاعر في حقولنا ؟ لقد وصلت التجربة طازجة حارَة ،والتقينا بملهمة الشاعر وهي في تمام تجليها وعنفوانها
أنثى عاشقة وهي في ربيعها العشرين ، أنثى تحترف إلهام الشعراء ،وغزالة مسك تجيد قتل الصيَادين!
خمرة عجيبة غير محرمة وغير مباحة إذا ما دارت أقداحها بين عاشقين " انتشى المسقي والساقي"
فهل هذه القصيدة حلقة في سلسلة من جهد متصل بذله الشاعر أثناء معاشرة طويلة ومكابدة أليمة مع أفكاره وعذاباته أم هي فلتة سعيدة لعبقرية صقلتها تجارب طويلة وأنضجتها معانات أليمة فجاءت كما لو كانت فيضا سلسا لروح امتلأت وجدا وهياما وصل حد الوجع والأنين ؟!
لا يظنن احد إني أبالغ أو أتجنى على الكلمات ، فإن ما ذهبت إليه هو الصدق لا خيال فيه ولا مبالغة ذلك أن الشاعر استطاع باقتدار عجيب أن يضرم في نفسي ذكريات شبيهة شديدة الجمال ما زالت نهَاشة العض رغم السنين !...ذكريات بعيدة خلت أن رماد الأيام أطفأ جمرها ، فإذا قراءة هذه القصيدة يعيدني إليها ويرميني في أتونها وإذا بي أتساءل : هل نسقط رغم الشيب مرضى بالحب القديم ؟! هل الحب لا مواسم له ،يجيء حتى في اللحظات التي لا نتوقعه فيها ؟أحتى في سن اليأس الذكوري يصيبنا الحب أيضا ؟
إن هذه القصيدة بهمسها الموجع ترمينا في عالم من السحر والجنون يجعلنا نحترق ونلتذ ،نتهدم ونبتهج نتعذب ونسعد ! ها أني أمشي معها مسلوب الإرادة حيث تأخذني إلى أوغل الذكريات وأغلاها أكابد عذابات العشق باشتعالات ابن العشرين ! لقد غدرت بي مدية لغتها ومشاعرها الصادقة حتى تمام الذبح ،وأنا مع ذلك أحس فرحا وانتشاء ،شعورا حالما كالخدر اللذيذ !
قيل في الأمثال :ويل للشجي من الخلي .وقيل أيضا :لا يعرف الحب إلا من يكابده .
الخليون من أمثال هذه التجارب _ وهم قلة على كل حال _لا يكادون يخفون بسمة سخرية بما أقول ،لم يكابدوا حبا ، نجوا من عذابه وعذوبته معا ،فهم غير ملومين . أما من مسهم يوما لظى هذه التجارب فلا أخالهم إلا مطلقي آهة حزينة حرَى تختزل عذاباتهم جميعا والأشد لوعة ولاشك هم رجال ينتقلون طيلة حياتهم بحكم مهنتهم من بلاد إلى بلاد ومن قرية إلى قرية ومن ريف إلى ريف يرتبطون مع النَاس والأشياء بوشائج وعلاقات فتنشأ صداقات وينشأ حب ثم يرحلون تاركين في كل مكان مزقا من نفوسهم وقطعا من أكبادهم آخذين معهم نشيجا عميقا في آهاتهم قد يلازمهم بقية أعمارهم يجعل منهم الشعراء والمكتئبين وحتى المجانين تلازمهم حالات اكتئاب آخذة بنفوسهم حتى الموت ! قلة منهم فقط استطاعت ترميم الانكسارات وتضميد العطوب وشفيت من عذابات الحب القديم ذلك الحب الذي منعته دواعي عدة من الوصول إلى غايته و بلوغ مرحلة الاقتران ومن ثم كان توهجه الدائم في نفوس أصحابه متشحا بغلالة من السحر متوجا بأكاليل الخلود
...وعطرا نافذا يسري بقاعتنا
وأوراقا معلقة أٍرى فيها محياك
هناك ،كنت جالسة
هنا حدثتني يوما عن الحب....
بهذه اللغة البسيطة السهلة تشاد أهرامات المشاعر في هذه القصيدة الجيدة لذلك ترى ما تراه من سعادتي وطربي بهذه المعزوفة الحزينة الصادقة كل الصدق الهامسة همس الروح للروح تسرد الأحداث والوقائع في رفق حالم شاك فيها الوجع كل الوجع وفيها القوة كل القوة وفيها همس المناجاة حزين
...وكم حدثتني يوما ،عن الغاب
وعن شحرورة سكنت بأهدابي
وعن أشيائك الصغرى
وعن أشيائك الكبرى .....
آه من الأشياء كم تختزن من أحداث وكم تحمل من ذكريات وآه أكثر من الأشياء الصغرى وإيحاءاتها المتأرجحة بين العذوبة والعذاب مخطئ من ظن يوما أن الأشياء الكبرى هي التي تؤثر في حياتنا ! الأشياء الصغيرة وحدها تظل لصيقة بنفوسنا تختزن أحلامنا وآمالنا وأوهامنا أيضا خواطرنا الحميمة التي نحرص أن تبقى لنا وحدنا قل أن نسمح بالاطلاع عليها حتى لأخلص أصدقائنا
يقول محمد مندور :إن إثارة الإحساسات القوية لا يمكن أن يكون بغير فتات الحياة الأليفة الوثيقة الصلة بالبشر أما الطنطنة وتضخيم التوافه وعجيج الألفاظ والتبجح بالقوة الجوفاء فهذه وسائل العجز والادعاء والجهل ، والهمس في الشعر ليس معناه الضعف والارتجال فيتغنى الطبع في غير جهد ولا إحكام صناعة وإنما هو إحساس بتأثير عناصر اللغة واستخدام تلك العناصر استخداما جيدا في تحريك النفوس وإيصال التجربة إليها حية طازجة.
وهكذا هو شاعرنا يأخذنا معه إلى قممه المتوجة بالخضرة والجمال يحكي مثلما يتسلق الجبليون مرتفعا ما بتوأدة وانتظام رويدا رويدا خطوة خطوة دون قفزات ودون عجلة ودون تعب ودون ضعف إنه يهمس ولا شيء غير الهمس نستشعره وهكذا بهذا الهمس الحاني يعطي في النهاية بتلا عب دقيق بالظلال والانعكاسات آثار نور الحياة لقصيدته الرائعة .
هذه خواطر حاولنا فيها أن ندخل أعماق القصيدة متقصدين إبراز ما اختلج في نفس الشاعر صاحب النص من أحاسيس وأخيلة ساعة التذكر حيث ذهبنا بالخواطر أحيانا إلى فضاءات أوحى بها ولم يبلغ بها نهاياتها وكثفنا الأضواء على زوايا أشار إليها ولم يعرها تماما .عمدنا إلى ذلك بما استلزمته قراءتنا للنص وفهمنا لمراميه حاولنا تشخيص ما أحدثه التذكار في نفس الشاعر واقتنصنا لحظات حميمة فاجأنا فيها الحبيبة والشاعر في لحظات البوح والتوله فتحنا الإشارات الصغيرة والكلمات القادحة على آفاق وخواطر نبعت من فهمنا للنص ذاته ثم راحت تنداح دوائرها للوصول إلى ما رأينا أنها واصلة إليه حاولنا توليد نص من نص وإنتاج أفكار من أفكار جاعلين من كوة صغيرة رأيناها في النص نوافذ واسعة يندلق خلالها النور فينير كل ما تجمع في فضاءات النص وأبعاده حيث تنكشف مشاعر المبدع ساعة انكتاب النص لحظة معاناة حميا الانسال والولادة


سالم دمدوم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://wachm.ahlamontada.com
 
شاعر وقصيد الشاعر الهادي العثماني
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
ملتقـــــى جمعيـــة الوشــــم الأدبــــي :: منتدى جمعية الوشم الأدبي :: منتدى النقد :: بوابة نقد الشعــر-
انتقل الى: