ملتقـــــى جمعيـــة الوشــــم الأدبــــي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى جمعية الوشم الأدبي ببنقردان فضاء مفتوح لكل المبدعين
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 قراءة في رواية المتهمون لسالم دمدوم

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
فاطمة الزياني




انثى عدد الرسائل : 1
تاريخ التسجيل : 31/03/2009

قراءة في رواية المتهمون لسالم دمدوم Empty
مُساهمةموضوع: قراءة في رواية المتهمون لسالم دمدوم   قراءة في رواية المتهمون لسالم دمدوم I_icon_minitimeالثلاثاء مارس 31, 2009 1:01 pm


رواية المتهمون لسالم دمدوم:
من ضد من؟الوجع والبوح
بقلم فاطمة الزياني




في البدء
الرواية الرائعة بنظري تجعلني اهتز ألما وطربا بذات الوقت، تجعلني في حالة حب.هذا الشعور ضخني به "المتهمون "للكاتب سالم دمدوم .أخرجتني من دوائر الصمت الذي دفعني له واقع الصدمة حيث صار الألم أكبر من القلم ،لكن هذه الرواية استفزتني فأدركت أننا متهمون بالدفاع عن النفس وأيقنت أن القضية الأساسية في الرواية ،هي قضية وطن متهم وجلادوه يرفضون حتى سماع أقواله ،هم جلاديه ليس البحث عن الحقيقة بل الإدانة فحسب !
هذه الرواية أسقطت الستار مرة واحدة فجاءت مضطرمة وحاسمة وموجعة
من ضد من...أوحت لي صورة الغلاف بهذا العنوان وهي تجيب عن هذا السؤال ببلاغة الرسم الموجزة .
من ضد من؟
يقول المتهم الأول "حين تصير متهما رغما عنك ،وتصبح في علاقة تصادمية مع محققين لا يهمهم في الغالب غير تجريمك ولا دليل لهم حتى الساعة غير سماتك الخاصة ولون سعرك وبشرتك وأنت واثق أنك بعيد كل البعد عن التهمة ،بريء منها براءة الذئب من دم يوسف ،لا بد أن تحس بكثير من المرارة والخوف "ص 16
البطل في هذه الرواية مواطن بريء يتسم بكثير من الطيبة والصدق والحلم ،يسافر على ظهر "نيو زيلندة " من أجل حضور مؤتمر .ترمي الصدفة في طريقه النادل عبدو وعشيقته ريما وعندما يصل بلاد الثلج يلتقي صدفة أيضا صديقته ليما .
الكاتب يأخذنا لنقتفي أثر هذا الصحفي في رحلة لا تطول كثيرا ولكنها تطالنا جميعا! وهو لا يضعنا أمام حشد كثير من الشخصيات بل هم قلة، لكن كل شخصية تخوض صراعا مدوخا يكتسح الحواس جميعها بما أننا طرف في ذلك الصراع أو معنيون به ما دمنا في حالة مواجهة مع الظلم
الكاتب يضعك وسط معركة لن تكون فيها متفرجا ما دمت تحس بوعي ..تعددت أشكال المواجهة في الرواية والعدو واحد ،فعدو ريما هو الجنرال" الذي يتاجر بالفتيات من شرق ارويا ودول البلقان وإفريقيا وآسيا ،يقدمهن إلى سفينة الملذات ويأخذ عمولة على ذلك "ص 38
وعدو ها "جنود يدخلون البيت ويأخذون أباها"ص 112
وعدوها الذي أحرق منزلها "نسفوه بدعوى إقامة مستعمرة لمهاجرين جدد ...صادروا الحلم والأمل والحاضر والمستقبل فقتلوا الأمان في أعماق نفسي هاهو أملي الأخضر الحالم قد اغتالوه،أصبح كومة من أحجار ،واسمنت وحديد يتوهج قرميده المهشم الحزين ،وينزف حمرة بلون الدم ،وأنا حياله أحدق في المجهول غبية بلهاء عاجزة "ص138
وعدوها الذي قتل فواز "وفي عشية عيد الميلاد ،جاءتني مجموعة من الأطفال أغلبهم دون المراهقة يحملون فواز الصغير على أيديهم ملطخا بالدم ،ورصاصة حاقدة قد انفجرت في صدره الطاهر ويده الصغيرة تحمل حصاة لا تقتل حتى عصفورا تشد عليها بإصرار "ص153
وعدوها هو الذي قتل زوجها سرحان...دوَامة من الألم والقهر تعيشها ليلى قبل أن تصبح ريما ،وعدو واحد يظهر لها في وجوه مختلفة ،فهو تاجر رقيق لا ضمير له يتواطأ مع الفقر ليشتري الفتيات الصغيرات من براثنه ويستخدمهن في خدمات دنيئة تغتصب إنسانية الفرد وتغتال ضميره .هذا الرجل الذي يلقبه البعض بالجنرال يكون هدفا لريما التي قتل زوجها وطفلها ،فتقتله ليقينها أنه أحد وجوه أعدائها فالشخصية بعدما فقدت كل أحبتها أصبحت تعادي كل ظالم وكل مجرم ،صارت تنتصر لكل مظلوم وتسانده ،ريما أيقنت إن القتل هو الرد الوحيد على القتل ،وهي تقدم للقارئ تفسيرا مؤلما لما آلت إليه قائلة :
"من لا وظن له لا إله له.ومن تختل علاقته ومن تغتصب بلاده،تغتصب كل المقدسات ،والشرائع في ضميره ،ويمكن أن يمارس أفعالا تنتهك حقوق الناس وتصادر حرية الآخرين ،وتسبب لهم الكوارث والمآسي عندما تسرق البسمة والأمن من الآخرين فلا تنتظر باقات الزهور ولا بسمات الترحيب والفرح تقابل بها من الناس أينما لقيتهم،ذلك مخالف لطبيعة الأشياء "ص 110
ربما خاضت معركة قذرة فخرجت منها بلوثة القتل ،سيطرت على كيانها فوضعتها على جبهة القتال فقط ، ما حدث لريما هو تماما ما حدث لكل إنسان أخرجه ظلم الأقوياء الأشرار من دائرة الأمان إلى دائرة الخوف والدماء .
وعدو النادل عبدو هو الذي قتل والده ورمى به إلى رحلة صحراوية شاقة هربا من البطالة والموت ،يلتقي أخته ريما يواصلان رحلة الثأر معا فيشتركان في قتل الجنرال .
عبدو إذا شاب موجوع يتحول وجعه إلى رغبة ملحة في الثأر من أي ظالم أيا كان وأينما كان ،لأنه يمكن أن يظلم آخرين مثله وأخته .
وعدو السارد هو عدو زوجته الصحفية ليما التي تذهب لتغطية أحداث الحرب في بلاد البساتين والنخيل ،ويشاهد في التليفزيون "ليما بمنتهى الوضوح تدفع بوحشية وعنف من طرف أحد الجنود وهو في أشد حالات العصبية ،لكنها تصر على التشبث بمكانها وعدم الابتعاد .ثم تتبادل معه حوارا متوترا فيعمد إلى سبها ويحاول افتكاك الكاميرا منها وتتشبث هي بها بشجاعة ولكنه ينجح في افتكاكها منها ويدفعها بعنف فتتعثر وتسقط ،ولكنها تقوم مسرعة فتلتحق به وتتشبث بآلتها من جديد وإذا بجندي آخر يفاجئها من الخلف بضربة على رأسها فتسقط خائرة القوى تتلوى من الألم ص159
وعدوه أيضا من يضعه "على ذمة التحقيق متهما بمساعدة الإرهاب"ص160
يتحول السارد من صحفي إلى متهم بالإرهاب ،ومن عاشق لليما إلى متهم بالتستر على مجرم ،تختلط الأوراق وتتقاطع حكاية كل شخصية مع الأخرى لنجد أنفسنا أمام عدو واحد هو أمريكا وحلفاؤها ومتهم واحد هي الشعوب التي تحتلها أمريكا .
رحلة قتل ولدت مزيدا من القتل ،أبطالها يعيشون فينا ومعنا ،يعرضها أمامنا الكاتب بالصوت والصورة فنجد أنفسنا مع ريما وعبدو والسارد وليما ضد الجنرال والمحتل في فلسطين والعراق فالكاتب اقترب وشاهد وأدرك أن الظلم وليد الحقد والحقد يلد القتل والقتل يدمر كل وجوه الجمال في الحياة .
الكاتب عرض علينا عينة مما يحدث أمامنا وبيننا يوميا فلم نجد من خيار سوى الوقوف على جبهة المتهمين بالإرهاب فقط لأنهم يرفضون الظلم والقهر والاحتلال.وإذا كانت هذه الثنائيات المتعادية تجعل الرواية أقرب إلى المباشرتية السياسية منها إلى الرمزية ،فلأن طبيعة القضية التي يعالجها دمدوم سياسية بالأساس ،وهذا لا يتنافى مع الفن والإبداع "فالمبدأ الذي يلتقي على أساسه رجل الثورة والفنان هو مبدأ التحرر الإنساني" 1
فالكاتب سياسي ينتمي إلى حزب الإنسان المظلوم ،يدافع عنه وينتصر له ،وهو في هذه الرواية يواجه المجتمع بصراحة المبدع لابإديلوجية السياسي والسارد في هذه الرواية ليس في حاجة لتجاوز الخط الأحمر،لسبب بسيط ،هو سقوط الخط الأحمر .فالقضية تعيش معنا والروائي أسقط عنها ملابسها وقبعتها وأزال مساحيقها وعطورها وأجرى كشفه .
سيكولوجية المكان في الرواية
لم يعد المكان في الرواية الحديثة مجرد إطار للأحداث، بل صارت له وظائف متنوعة،لأن الكاتب أصبح يكثف مصادر الإيحاء حتى يجعل نصه نابضا بالحياة محتدما .
القارئ لرواية المتهمون يدرك أن المكان قام بدور البطولة فيها ،فمعظم الأحداث على ظهر الباخرة "نيوزلندة "التي كان أسمها "غرناطة " فكل اسم مشحون بمعنى أساسيه علاقة تاريخية بما يجري،فغرناطة رمز لسقوط المجد العربي في الأندلس فهي إذن رمز لمرحلة السقوط يليها التحول بسم" نيوزلندا " أي الأرض الجديدة التي ترمز للمرحلة الانتقالية التي ينعدم فيها الانتماء ،وتترجرج فيها الهوية وسط احتمالات الغرق .نجد على ظهر السفينة السارد رمز الأحلام الباحثة عن أوطان تؤويها ،وعبدو وريما المثخنين بالقهر حتى الجريمة . ونجد الجنرال يوقع بالفتيات الفقيرات في شباك الغواية لتأجيرهن في سفينة الملذات ،المكان الآخر الحامل لكل أشكال الرذيلة واللوثان ،وقد كان خبر سفينة الملذات أول صدمة يتلقاها السارد من عبدو فيحتج قائلا "لكن هذا عمل يفتقر إلى القيم ولا يتناسب مع كرامة الإنسان وهو نوع من العبودية إن لم يكن أسوأها جميعا .قال لي :القيم ، كرامة الإنسان،قدسية العمل ،أشياء لا يهتم بها هذا النوع من الناس .يهمهم فقط أن يكسبوا مالا في ميكيافلية عجيبة "ص22
بهذه اللغة الشفافة ينقل لنا دمدوم ما يجري حولنا بجرأة فذة لا تحتمل رموزا .
أما على اليابسة فسالم دمدوم لم ير ضرورة لذكر أسماء بعينها لأنه يعول على قارئ يدرك إن المكان من جنس الحدث فهو حينا "عبارة عن مكان في أحد شوارع تلك العاصمة الحزينة المترامية الأطراف على جانبيه بساتين وأشجار نخيل "ص144 هو إذن تراوح بين العراق وفلسطين وهي مناطق القهر والقتل اليومي .! والمطار هو النقطة الانتقالية التي يتحول فيها السارد من باحث عن العدل والحب إلى متهم بالإرهاب ،يقول:
"وفي المطار تحققت أسوأ مخاوفي حين وجدت نفسي موقوفا على ذمة التحقيق متهما بمساعدة الإرهاب "ص160
الكاتب لا يحمل جينات العنصرية والحقد ولذلك فإن السارد العربي يتزوج من ليما الصحافية الأجنبية التي تجمع بين ما "ورثته عن أمها الألمانية مع تلك الصفرة الذهبية المتوهجة التي يمتاز بها أهل جنوب شرق آسيا والتي انحدرت إليها من جانب أبيها "ص58
ونظرا لإيمان السرد بأن الظلم ضد الإنسانية جمعاء فإنه جمع أجناسا عدة يقفون ضد الظلم رغم إنهم من بلدان بعيدة عن الحروب والصراعات فالهوية الوحيدة للواقفين ضد الظلم هي الإنسان الساعي لتحقيق العدل السارد يكشف عن العلاقة بين الشخصية والمكان حتى لا يترك مجالا للهروب والبحث عن الأمان خارج الأوطان .يقول على لسان ليلى :
نحتاج دائما لكي نشعر بفرحة الحياة ،إلى ما هو أكثر من الحب والحبيب ،الحب وحده طائر حزين معطوب الحنجرة مكسور الروح ،لايهب لحن الفرح الذي نبحث عنه لا يمنح الأمان العاطفي المطلوب ،حتى نشعر بحب الحياة ونشارك في صياغة أفراحها .وفوق ذلك يحتاج كل طائر ،إلى غصن آمن يستقر عليه وفضاء حر ،تسرح فيه أحلامه ..."ص128
بقدر ما حشر الكاتب في هذه الرواية من صور الظلم والقهر والقتل المنظم وغير المنظم إلا أن المتضررين في روايته دوما يحلمون بتآخي الديانات والسلام للجميع .يقول على لسان ليلى "...نحاول زرع الفرح والابتسام في جميع كل الناس وعلى شفاههم ،عربا ويهودا ،مسيحيين ،ومسلمين ،وبوذا نزرع في حديقة كل بيت وردة ،وفي كل حقل سنبلة قمح وشجرة برتقال وزيتونة ننذرها للسلام ،السلام الذي اغتالوه في قلبي وفي قلوب أخرى كثيرة "ص111
نقل دمدوم الواقع الراهن دون تزييف وسعى قدر الإمكان كي لا يعطي هذا الواقع المضطرب فرصة إضافية كي يتحول إلى ثابت مثل الهزيمة في مجتمعنا العربي ! السارد في التعامل مع واقعنا العربي ليس في حاجة ليفضح لأن الفضيحة معروضة بالصوت والصورة على شاشات الفضائيات ،وهذا لا يلغي دوره إنما هو يخاطب كل واحد منا على حدة بعيدا عن الضجة الإعلامية والصور النازفة
"الروائي يراقب ،يرصد ،يجمع ،ثم يسجل ،قد يكون متفائلا أو راغبا لكنه يرصد النبض ،الحالة ،وأيضا يضع الاحتمالات وهذا لا يكون من خلال شعارات ومواعظ ،وإنما من خلال البشر.ومن هنا فإنه ربما مثل ميزان الحرارة ،يستطيع أن يقرأ المجتمع في حالته الحقيقية ،وأن يقدر الاحتمالات أكثر مما يستطيع السياسي الذي يقرأ المجتمع من خلال الرغبات والشعارات،وأكثر من الذي يأخذ جانبا بذاته لكي يقرأ المجتمع "2
الخاتمة
سالم دمدوم قارب موضوعا خطيرا نعيشه يوميا ونعتقد أن الفضائيات تكفي لرسم صورته بالدماء ودخان الآليات المحترقة وأصوات المرعوبين ،وقدم صورة موجعة لما يجري تنذر بمزيد من الدمار مادمت تتهم بالإرهاب ،بلا دليل "غير سماتك الخاصة ولون شعرك وبشرتك "ص16
رواية الغليان هي "المتهمون "تحرضك ضد الظلم وتستفزك لمواجهته بقوة تغريك بالسلام والأمن والحب وتهزك بالقهر وأشكال الهزيمة .سمى الكاتب الأشياء بمسمياتها في الرواية واستخدم لغة فاتنة ببساطتها ،وأسلوبا سلسا جذابا يشدك حتى تصبح مشاركا في الأحداث لا مجرد محلل لها .ولم يكن في حاجة للإيغال في الرمز رغم أنه استفاد من أسماء المكان ،ورغم كثرة التفاصيل واكتظاظها إلا أنه وفق في الربط بين هذه التفاصيل ربطا ديناميكيا عميقا يطور الشخصيات ولا يكررها ،يدفع الأحداث ولا يقفز بها يحلل المواقف ولا يكتفي بسردها 3
دمدوم يمتلك شجاعة المبدع الأصيل بدخوله دوائر الصراع العالمي المدوخ بين قوى الشر والشعوب المستضعفة أعزل إلا من صدقه وإيمانه بالعدالة والحرية والحب لجميع البشر
.


-------------------------------------------------------------------
المصدر
_المتهمون _سالم دمدوم _منشورات مكتبة علاء الدين صفاقس 2005الطبعة الأولى.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
قراءة في رواية المتهمون لسالم دمدوم
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» قراءة في رواية أين جسدي
» قراءة في رواية موسم التأنيث
» خواطر حول رواية"أسميران "للأديبة فاطمة الزّياني
» سيرة ذاتية للأديب سالم دمدوم
» مقتطفات من رواية رؤى

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
ملتقـــــى جمعيـــة الوشــــم الأدبــــي :: منتدى جمعية الوشم الأدبي :: منتدى النقد :: بوابة نقد السرد-
انتقل الى: