ملتقـــــى جمعيـــة الوشــــم الأدبــــي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى جمعية الوشم الأدبي ببنقردان فضاء مفتوح لكل المبدعين
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 قراءة في رواية أين جسدي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
سالم دمدوم

سالم دمدوم


عدد الرسائل : 22
تاريخ التسجيل : 04/01/2008

قراءة في رواية أين جسدي Empty
مُساهمةموضوع: قراءة في رواية أين جسدي   قراءة في رواية أين جسدي I_icon_minitimeالثلاثاء مارس 31, 2009 12:35 pm

قراءات
" أين جسدي "
مجموعة قصصية لعبد العزيز بن ضيف الله
[




[size=24]- من بعيد

[ أنت جالس في حديقة نزل بضواحي " براغ " تغمرك السعادة ،وأمامك وردة على الطاولة ، وبدلا من كتابة قصّتك المنثورة تتأمّل الحشرة الراقدة في قلب الوردة. ]
أبو لينير ، كحول .

حين ننظر إلى مدينة الفن من بعيد تبدو لنا لأول وهلة كما لو كانت محاطة بالحصون ، لكن عند الاقتراب منها، نجد أن ما نراه أبوابٌ لا أسوار ! والدعوة قائمة للدخول .
هكذا قرّرت أن ألبي الدعوة ،وألجُ عالم( أين جسدي ) ! ما أن تأملتها حتى وجدتني تلقائيا أتذكّر قولة " لمشيل فوكو " نصها كما يلي :
" ... أحلم بمثقّف هدّام للقناعات ، مثقف يكتشف في عطالة الحاضر وإكراها ته نقاط الضعف والشقوق ونقاط القوة ... "
وعلى ضوء هذه القولة ، أحاول التعرف على كاتب شاب هو عبد العزيز ضيف الله ،من خلال مجموعته القصصية الأولى " أين جسدي "
لم يكن هدفا لي أن أنقد المجموعة ، أو أن أصدر أحكاما بشأنها ،أترك ذلك لغيري بناء على كرهي الشديد الذي يبلغ حدّ القرف أحيانا، لإصدار الأحكام القاطعة على أي نص إبداعي ،يكتسب قيمته في الغالب من صميم حميمييته مع مبدعه ، و خاصة إذا كان نصّا مراوغا يتستّر بالسخرية و"التغابي" كنصوص هذه المجموعة
وكثيرا ما دفع الغرور بعض النقاد، إلى مطبات كادوا يسقطون بين مدا رجها في مساقط السخرية، فأظهروا وتحدثوا ،عن أفكار وتصورات ،وأصدروا أحكاما كانت بعيدة عن مقاصد الفنان .
يحكى أن ( بول فاليري ) الشاعر الفرنسي المشهور، وعضو الأكاديمية الفرنسية، استمع ذات يوم ف إلى ناقد تناول قصيدته المشهورة ( المقبرة البحرية ) بالنقد والتحليل ، ثم طُلب منه بعد ذلك إبداء رأيه فيما سمع . فكان تعليقه- بعد أن أبدى اعترافه ببراعة الناقد وسعة خياله ومهارته- ما معناه: أن ما ذهب إليه الدارس بعيد كل البعد عما قصدت ،فقد اتجه إلى أغراض وتناول مسائل لم تخطر لي على بال...
يقول " ت . س . اليوت ، في كتابه " أفاق الفن " :
إن الناقد الذي يجعل همه إصدار الأحكام والذي يثابر على النقد بدلا من محاولة الفهم ،يشبه رجلا يحمل عصا وهو وحده في الحديقة يقطع بها رؤوس الأعشاب والأزهار على السواء . إن كل عمل فني ذي أبعاد وغوامض يعرّضه هذا للخطر ."
ويقول في مكان آخر :
الرجل الذي يجرؤ على تأويل عمل فني عليه أولا أن يخضع ذاته دهشة وامتنانا لفكر الفنان.
ومن قبل هذا كان " سانت بيف (Sant Bévue ) يرى: أن النقد " هو أن تعرف كيف تقرأ كتابا قراءة جيدة ، دون أن تتوقف لحظة عن تذوقه" ...
إزاء هذه التحذيرات الكثيرة ، التي يصدرها أساطين النقد قديما وحديثا ، سوف أربأ بنفسي، عن محاولة التقييم ،وإصدار الأحكام وسأعمد فقط إلى محاولة قراءة هذه المجموعة أو بعضها على الأصح ،قراءة ربّما تقترب من تلك القراءة التي يشير إليها سانت بيف .ولا أظنها سهلة أو ميسورة لكثير من القراء، فما كل من تصفّح كتابا قارئ ، وما كل " دكتور " قادرا على دك حصون الأثر الأدبي والوصول إلى لبّه ومراميه "، فما كل من كـور العـمامة فهّامة ! " .
وحينئذ ،فليكن واضحا ،أن ما أسطّره في هذا الشأن لا يعدو أن يكون محاولة للقراءة أولا، وللفهم ثانيا، ولا شيء غير ذلك .
* قبل البدء :
لا أريد أن أصف المجموعة وصفا خارجيا ولا إحصاء عدد صفحاتها، ونصوصها ،وما إذا كانت خالية من الأخطاء ،أو تفتقر للأناقة وجودة الطباعة ،فهذه أشياء شكلية ،ولا ترجع إلى النص، ولا إلى إرادة المبدع ،ولا أعتقد أن لها قيمة كبيرة، هذا بالرغم من أنـها " الأخطاء خاصة "، كثيرا ما تكون معوّقا هاما، أمام القراءة، وهي في نصنا هذا تصل أحيانا إلى حدّ إهمال الخبر ،من جمل اسمية تتطلبه ضرورة ...
* المنطلق :
من يم الحياة اليومية : من زبدها وموجها من صخورها ورمالها ، أزهارها وأشواكها ،من حياة أناس عاديين ،نعيش معهم ونراهم ، من انكساراتهم وطموحاتهم أمالهم وأمانيهم ، من توقهم إلى ما يرغبون ، وعجزهم عن تحقيق الأجمل والأفضل الذي إليه يطمحون ، نفاقهم وصراحتهم ، طهارتهم وخطاياهم، من كل ذلك تنشأ هذه النصوص ، وبرفق وبساطة تأخذك معها ،مستسلما مبهورا محلقا في سماء الغريب حينا ، ومتخبطا في وحل الواقع أحيانا ، مجنحا في سماء الغريب ،حيث تشهد وتعيش مع أبطالها حياة أخرى، ينهد فيها المألوف ،وتنكسر جدران المنطق ،وتنشأ جدلية أخرى بين أشلاء الأشياء ،والأشخاص والأضواء والضلال غير ما تعودت وإذا أنت مع الرجل الذي يخاتل مجموعة شباب تعودوا سرقة " اللاقمي " متسـلحا بسوط ( حديدا ومطاطا ) وإذا في لمح البصر ،يهجم الغريب على الواقع، فيفتته وينفيه ... وإذا آدم وحواء لم يمنعهما اختلافهما ( إنس وجان ) من ارتكاب الخطيئة الأولى! وإذا صاحبنا في النهاية قد أصابه مس وناله عقاب من زوج إحدى بنات " سمسمه " التي أغوته فمارس معها الحب ،مدفوعا بذلك التوق الذي لا يفتر لضاه أبدا، في كل ذكر وفي كل أنثى، من يوم أن خلق الله الكون . وإذا" هدية " عيد فرعون لصاحبنا، تعنيف شديد وتوعد بمزيد الأذى، من زوج الجنية المطعون في " شرفه " وإذا أساليب العلاج تحيل على المورثات والتقاليد البالية التي نسخر منها جميعا ،ولكن كثيرا ما تصادفنا في حياتنا وتسبب لنا كدرا حقيقيا وإرباكا شديدا !
هل ترى التمائم والعيساوية والحضرة تجدي نفعا ؟ وهل ناج من العقاب من تجرأ على النواميس وأراد التطلع إلى أبعد من مداه ؟ "
إذ تحيل هذه الأقصوصة على موضوع الجن ،وعلاقتهم بالبشر، فإنها تفتح بابا واسعا، من الشك والحيرة وحتى الإيمان والإلحاد .. وموضوع الجن في حياتنا نحن الشرقيين ،موضوع شائك مطلسم، ما تزال معالمه غائمة ملتبسة غامضة وإذا نحن إزاءه ،في منتهى الحيرة والشك والعذاب ،بتنازعنا تياران عاصفان ، نصدق ونقرّ بالعجز أم ننكر ونشك ؟ .!
حتى الذين أصابوا منا خطا من علم ،يفترض أن ينير لهم سبل الحياة ،ما ظفروا بغير الشك والعذاب، في مواجهة هـذا الإشكال ...!
ومن أبواب الغريب الكثيرة، ينفتح باب آخـر، يبتلع فاقد الظل .وإذا اعتماد الغريب طريقة مخادعة وملتبسة ورؤية جديدة ،من زاوية أخرى إلى أنفسنا ، أحـلامنا قيمنا حياتنا اليومية ، أوضاعنا العادية ،وما فيها من إرباكات وإشكالات غطتها عوامل الرتابة والتعود والمألوف ،فحجبت عنا ما فيها من مفارقات وعذابات أحيانا ...
قلة من الناس ،تتوفر لهم هذه الخاصية التي ( ترى القرادة على خاصرة الجمل قبل أن ترى الجمل نفسه ). فتلحظ في العادي والمألوف، عجائب وغرائب يمكن التوقف عندها ،وتسجيلها، ومعالجتها، بأساليب يمتلكون هم وحدهم أبجديتها فإذا " من حلّ الصرة لا يجد خيطا فحسب " بل طلاسم وأحاجي ومشكلات جديرة بالبحث والتأمل والوقوف عندها طويلا .
يالها من فضاعة ! يالها من سخرية أن يسبب لنا فقدان الأشياء التي نراها تافهة في حياتنا، وقد لا نلتفت إليها بالمرة ،كلّ هذه العذابات ،التي تصل بنا إلى حدّ فقدان عقولنا وإيداعنا مستشفى المجانين .
في المخيال الشعبي ،وفي أحاديث السمّار المجنحة أحيانا ،في سماء الغريب نعثر على من نسي اسمه ،أو نسي زوجته في محطة السيارات ،أو لبس بعض ملابسها ليلا ،فإذا هو في الأسـواق صـباحا ،مصدر سخرية مرة ... أما أن يصل الأمر إلى حدّ أن يفقد الإنسان ظلّه فتلك غريبة الغرائب و " درة يتيمة " حقا ، ولا بد للقارئ أن يتساءل :
ما هو " ظلّنا ؟ "
هل هو " نحن " الآخر، المستتر فينا، هل هو طموحنا نزوعنا إلى الأجمل بذرة الألوهة فينا، تلك التي تجعل بحثنا عن الكمال لا يبلغ مداه . ذلك " النحن " المكبوت المقيد بسلاسل من الواقع والأوهام .
ربما يستطيع أي منّا ،لو جلس يوما ،وقارن بين ما كان يحلم أن يكون، وبين ما هو كائن فعلا في الحياة اليومية، لظهر له مدى خيبة الأمل، وانكسار الطموحات، ولا أعطى الحق ،كلّ الحق، للظل في أن يهجره بلا رجعة .
حين يهرب ظلّنا ماذا يبقى فينا ؟
الهزيمة ، الانكسار والخذلان ،والإحساس بالدونية وننحشر في زمرة الضعفاء والمقهورين ،الذين يسخرون من أنفسهم، كلما خلَوْا إليها، حينا ،وحينا ينالونها بالجلد والتوبيخ والتقريع الذي لا يرحم .
يالها من فضاعة، أن يكون بحثنا عن ظلّنا المفقود توقنا وطموحنا ) مدعاة للمطاردة والمساءلة ، فإذا نحن خارجون عن القانون، وأن حراسة شديدة تترصدنا، وإن كل من نعرفهم ،ونحاول الالتجاء إليهم، معرضون للمساءلة ومطالبون بالتنكر لنا، وعدم مساعدتنا، واتخاذ صفة المخبرين عنا وإمضاء الالتزامات ... لقد أصبح الذين نعدّهم عونا لنا في مأساتنا عبئا علينا ... ألا يحدث هذا في كـثير من بلدان غـير بعيدة عنا ؟!...
في غضون حيرة فاقد الظلّ، يبدو أنه بدأ يفقد ثقته بالأحياء، فأصبح كثير التردد على المقابر، وفي سكينة القبور، التي كانت دائما مضرب الأمثال في الصمت، نجد أصواتا ناطقة بلسان صدق حكيم . فكل قبر لو حكى قصة حياته، لوجدنا فيها مثالا وعبرة ، ولا أدري هل كان موقف أهل القبور في جانب فاقد الظل، أو هو منتصر للظلّ ... كأني بأهل المقبرة يقولون :
صحب الناس قبلنا ذا الزمان وعناهم من أمره ما عنانا
وتولوا بغصة كلهم منه وإن سر بعضهم أحيانا
يكاد يلامس مشهد المقبرة هذا، شريطـا سينمـائيا متخيلا، تبـدعه " أحلام مستغانمي " في روايتها " فَوْضَى الحواس " إذ يعمد أستاذ في الشريط، إلى تحريض تلاميذه، على التمرد على القواعد والقوانين، والمقاييس القديمة، التي تعارف عليها السابقون، في النقد وفي الحياة على السواء، والنظر إلى الدنيا برمتها بمنظار جديد ومن زوايا جديدة وبأن يكونوا كفتية أبي نواس :
" وفتية كمصابيح الدجى غرر شمّ الأنوف من الصيت المصاليط
صالوا على الدهر باللهو ..."
وإذا هذا الأستاذ يقول لهم ( لتلاميذه ) وهو يعرض عليهم صورا قديمة لتلاميذ قدامى، درسوا في هذا المعهد يوما :
" كل الذين ترونهم في هذه الصور، بهيأتهم الرياضـية، التي تشبه هيأتكم و عنفوان شبابهم، الذي يشبه عنفوانكم، بطموحاتهم الكبيرة، وآمالهم العريضة، وثقتهم المطلقــة في الحياة، كما هي ثقتــكم ، جميعهم الآن عـظـام نخـرة ،تحـت قبـور فاخـرة أو متواضعة . لقد ماتوا كما ستموتون ... "
يقول فاقد الظل: إن هؤلاء الموتى جميعهـم عاشـوا آلاما مشابهة لآلامـنا و سعدوا و تعسوا و ماتوا !
هكذا ينفتح المشهد في ختامه، على هذه المأسوية المروعة للمصير الإنساني :
الموت ... هذا ما تقوله المقابر .
قد ينقلب فاقد الضل إلى داعية للإسلام ... و هكذا يتّخذ إسلام بعض الناس خيمة يستظل بها الفاشلون. كثيرا ما نلحظهم هؤلاء الفاشلين المتحذلقين و قد تحولوا إلى نصابين يصطادون الأغبياء، بإدعاء الصلاح و الشعوذة، و ترويض الجــان، و إدعاء الطـب، و معالجـــة الأمراض المستعصية عــلى التشخيص العلمي ...
هكذا تتبعنا بعض أحداث الغريب، وظهر لنا أن هي إلا أقوالنا وأفعالنا وذواتنا وإذا به يلقينا مباشرة إلى اليومي والمعتاد، وإذا هذا اليومي و يا للغرابة أشد إربـاكا من الغريب، وإذا نحن في منعطف من مدينة ، منعطف لا غير ليس حيّا ولا شارعا ولا ساحة ، إنه مجرد منعطف ...
ليس غريبا، أن يعلق قارئ على هذه القصة، بأنها مجرد جذاذات وبسائط لا رابط بينها ... و أنــها لكذلك حقا، لو نظرنا إليها نظرة سطحية متسرعة وغير واعية .
لنتجاوز إصدار الأحكام، كما ألمعت في بداية حديثي هذا، ولنرجع إلى شيء من التواضع والفهم قبل ذلك، فهل تراني فهمت هذه الأقصوصة، بأخبارها الكثيفة الموجزة، المربكة، المخادعة: أطفال يكتبون خبائث على الجدران ، نساء يتركن عطرهن يتسكّع في الشارع ،يقرأن الكتابات ويحسسن ( القشعريرة )، أخريات تذّكرهن الكتابة أماني وأحلام، فيضحكن في عبّهن ، يتفاقم الأمر ويصل إلى الإمام فيخصص خطبة الجمعة لمعالجته ، يخرج المصلون بعضهم يتحدث فيما قاله الإمام ، وبعضهم مشغول بتجارته، والبعض الآخر رأى أن الوقت مناسب، لزيارة بعض الصديقات والصديقات في لغة المدينة المنافقة، تعني العشيقات ؟ الكتابات على الجدران تتفاقم وتضاف إليها رسوم، وتمهر الرسوم بأسماء، ويشتدّ حنق رجال المدينة، ويستنفرون قواهم لمعــالجة الحــدث، ويعمد الصـغار إلى التحــدي والمجابهة، و يكتـشف أهل الحـل و العقد، أن التصعيد لا يجدي، و يفضلون اللجوء إلى الانفتاح عــلى الصغار ويعمدون إلى الحوار. و في حلقات الحوار، ينكر الأطفال أنهـم كتـبوا هذه الخـبائث الفاجرة و يلصقون التهمة بالكبار، و يَدْمَغُونهم بالحقيقة المرة،التي تفضح نفاقهم ورياءهم : "هذا ما تعودتم أنتم فعله في الخفاء ! "
ما أجمل و أرشق أن يقول الكاتب : حين أنهى الرجال اجتماعهم، كان الليل قد عسعس، لكن البدر كان قد بدأ يلقي بنوره على قمم المباني ... و جميل أيضا أن يقول الكاتـب أيضا ما معناه أن الأطـفال كانوا مسـتبشرين بذهاب الكــدورة من الشارع ! ...
عسعس ليل الكبار، أصرّوا على النفاق و التردي، وطـلع البـدر، بدر النـقاء و الصراحة و الوضوح .
هذا أو شيء قريب منه، إذا أجدت القراءة، واستطعت الفهم لبعض ما يقول الكاتب .
إن ما ذكرته عن هذه الأقصوصة، ما هـو إلا " غيظ من فيض " فالقصّة مثقلة جدا بالإشكالات والأطروحات، ويكاد كلّ فصل من فصولها الثمانية، يحيل على فصول و فصول . فكلّ منا في حياتنا اليومية، يتعامل مع الأشياء لا حسب المنطق والحكمة،ولكن حسب الأهواء والحماقات وهكذا نحن مأساتنا أحيانا، إننا نفكّر بحكمة ونتصرف بحماقة.ففـي حين يتصـور القـط أن الورقة فار فإن أحد " الفئران " البشرية تحيله صورة الورقة التي تعبث بها الريح على تكسر راقصة البالي الأسيـوية و تثنيها ، هذه التي زارت المدينة الشهر الفارط .! أي طرافة و أي تهكم، و أي جوع .." جوع لآخر جوع يمد اليدا ...(1) "
و كم تكـون حياتنا اليومية برمتها:بمخاتلا تها و أكاذيبها، و نفاقها طريفة، لو استعملنا عند تأملها، عدسة مكبرة ساخرة ،مثل التي نظر بها الكاتب نظرته تلك و قلما ضاحكا ساخرا مثل قلم الدوعاجي، أو قلم كاتبنا . إذن لسهرنا منها الليالي ! . و لكنا من جملة روّاد درب التوّاقين، والمقـيمين فيه باستمرار الحالـمين و المتلهفين على ظـهور هـذه الغادة التي تـدوّر كل شـيء فيـها
( ...و الذي كان قبل عامين صغيرا قد تـدور وتكور...
صرت أحلى ... صـار عمري سبـع عـشر ...
و صرت أنت اللعبة الكبرى لديّ !."
كلنا الفتى الرجاف !... ما أروع هذا الاسم و أجمله فـي مكانه ! . من منّا لم يصب يوما بسعار هذه الرجفة ؟! لكن إذا كانت زهرة عباد الشمس راجفة عاشقة هي الأخرى منجذبة دوما إلى شمسها ، تضحك لها و تغازلها حتى إذا غابت عنها أصابها الاكتئاب و الكدر، فلّمت بتلاتها، و نكست رأسها و انكفأ جمالها فما حالنا نحـن التواقين؟! ...ما هي شمسنا هذه التي لا نريد من العلم " غير العلم بها" هذه التي تغري الذكور و الإناث على السواء،هذه التي يكون العجز عن إدراكها إدراك، هذه التي يحتكرها شيوخ العلم يظنها كل واحد منهم أنها أخلصت له ، هذه التي يخشاها الوالي أن تكون فتنة العامة، فينكشف من سره كل مستور!...
من تكن هذه التي منا وفينا ولم تغب عن مدينتنا يوما وكلنا إليها تواقون وبها حالمون؟ .
نتمنى وفي التمنّي شقاء وننادي يا ليت كنا وكنا
ونضحك في سرنا للأماني والأماني في الجهر يضحكن منا
وإذا كانت الأماني خادعة غدّارة فالحقيقة عابرة سبيل قلّ أن يحتويها مكان أو يعترض طريقها زيف أو بهتان .
هكذا تبقى الحقيقة والأماني وحب الحياة حلم يراود نزلاء درب التوّاقين وكل يحلم بلقاء !...
آه لو منحت الأيام ذلك اللقاء ... وتبقى الآهة غاية ما نخرج به ، كفنا يلف جثث أحلامنا و انكساراتنا وحسرتنا ...
( ها و ... واركزي على الرملة ).
صدى عائد من زمن الصبا يضرم في سكون شيخوخة الرجل لهيب الأسى والحنين ولسان حاله يردد: ليت الشباب يعود يوما ...
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سالم دمدوم

سالم دمدوم


عدد الرسائل : 22
تاريخ التسجيل : 04/01/2008

قراءة في رواية أين جسدي Empty
مُساهمةموضوع: رد: قراءة في رواية أين جسدي   قراءة في رواية أين جسدي I_icon_minitimeالثلاثاء مارس 31, 2009 12:42 pm


لا أريد المضي أبعد مما مضيت مع هذه المجموعة، فالمكان الذي أرتاده غني بأخباره وثماره وشخوصه ، ضاحك باك ، مؤنس مرعب ، شاك ومتيقن ، ساكن هادي ومتقلّب ضاجّ ، حزين ومبتهج أليف ومشاكس ، واضح وغامض يوقظ الفكر والوجدان فإذا الشكّ والحيرة والاكتئاب والبسمة وحتى النحيب والقهقهة أحيانا، يلف هذه المتناقضات كلها ، فضاء رجراج بين المألوف والغريب .
المكان مغر، والحضور كثيف : رجال دين ورجال فلسفة ، ورجال تصوف متدينين حقيقيين قلة ، وأدعياء دين منافقون كثر . رجال أدب ورجال علم ، رواة
ومحدِّثون ساسة وحاكمون ومحكومون ، أطفال وشيوخ ، أنس وجن ، عـشاق ومحبون ، أساتذة وتلاميذ ، تلاميذ وتلميذات. وليس غريبا أن تجد في هذا المكان رجال عرفتهم يوما، عن طريق رجع الصدى، عبر أخبار أو أشعار شاركوا من قريب أو بعيد في نحت شخصياتنا. فإذا المعري في شكه وتردده والطبري في غريبه ، والغزالي في" منقذه و تهافته " والجاحظ في حيوانه وبيانه وتبيينه ورسائله ، والدوعاجي في جولته بين حانات البحر الأبيض المتوسط وسهرات لياليه هذا إلى جانب رجال آخرين من أهل التراث، تلمح طرائقهم في التعبير، وفي تسمية كتبهم ورسائلهم. كما لا تعدم حتى صدى أهل اليونان ومقولاتهم في الهندسة، وحتى الفراعنة بأعيادهم وتقاليدهم، كل ذلك تلمحه وتكاد تحسه في ومضات خاطفة ملتبسة، بين السخرية والبراءة، تومض بها ثقافـة صـاحب النـص، ومرجعـيته المتنوعة . وكم أحب النص الذي تظهر فيه ثقافة المبدع في الزمان والمكان المناسبين بعيدا عن إدعاء المعرفة والتبحر .
لا تظنّن أبدا ،أن هذا المكان غريب، ومتخيّل ، فهو في حقيقة أمره داري ودارك ، مدينتي ومدينتك ،بعوامها ومثقفيها ، ابني وابنك وابنتي وابنتك ، واقعنا ،حياتنا وطرائفنا في الاحتيال لأمرنا والسعي إلى صيدنا ... كلنا صيادون لكن الشباك تختلف .
منا من يصطاد حريفا ، ومن تصطاد عريسا، ومن يصطاد عشيقة، أو منصبا أو حظوة ،عند أهل الحل والعقد .وغيـر ذلك كثير .
لو مضيت مع هذه القصص واحدة واحدة، لوجدت نفسي في النهاية وبعد التعب والإجهاد، قاصرا عن الإحاطة بكل ما تثيره في القارئ المتبصّر، من نقاط استفهام، وما تغمز به في " خبث " إلى كل ما يجري في حياتنا اليومية، كل خطوة نخطوها، وكل تصرف نقوم به، فيه خلال هذه النصوص " نظرٌ وتحقيق " وعليه تعليق وفيه أقوال " لا قولان " مهما دقّ ، ومهما خفي ،ومهما كان عاديا مغرقا في البساطة .
" فقدان شاة من زريبة " يصبح مشكلا لأهل القرية ... وما جعله هكذا إلا الأب والأم المتستران عن الإبن، الذي سطا على الشاة خاصة وهما في وضع خاص فلا يريدان أن يظهر الابن سارقا في نظر خطيبته التي سيتقدّم لخطبتها قريبا ...

وهكذا هي طــرائقنا فـي معالجــة أمورنا ، النفـاق دائما ،والتظاهر بالعفة والبراءة، بدل الصدق والمواجهة الصّريحة.هكذا تضل الحقيقة حقيقة يعلمها كل الناس، من الجار وحتى مجلس العمدة، ولكن لا أحد يصدع بها ،لأن ذلك سوف يفضح فساد سلوك أبنائنا، وسوء طريقة أسرنا في تربية أبنائها ... بل يتواطأ الجميع على طمــس معالم الجريمة ،ويصرّح العمدة بأنه ألـزم امرأة ،أن تقسم الإيمان، على أنها رأت النسور تختطف الشاة ...وهكذا يقفل الملف وينتهي الأمر .
هكذا تتردّى الأمور ويفكر الحاج التيجاني في الإصلاح وإعداد كتّاب يتعلّم الصبيان فيه حسن السلوك، ويكون للناس موعظة وهداية. فإذا الزوجة تحيله على أبيات للمعري تقطر يأسا من إصلاح مجتمع جعل الدينار إلها ... و إذا نحن لا نملك إلا أن نردّد مع المعري :
خسئت يا أمنا الدنيا فأف لنا أبناء الخسيسة أنذال منا كيد!
وإذا . فلا مناص من التوقف عنوة عن الإيـغال في الأدغال أدغال اهتماماتنا ، وهمومنا اليومية ، المبثوثة بسخاء عجيب في هذه النصوص، وبعجالة كاللمح الخاطف أريد أن أشير إلى ما يلي :
1- أهملت عمدا الاهتمامات القومية والسياسية في هذه المجموعة- ماعدا لمحات سريعة كالبرق - مؤجلا ذلك إلى فرصة أخرى ربما تجود بها الأيام .
2- لئن تعمدت إهمال ذلك الجانب، فلا أرى من الوجيه الانتهاء قبل أن أقول شيئا ولو يسيرا عن أسلوب بعض هذه القصص، فإذا هو ذلك النوع من الأساليب، التي تتّخذ من العادي والبسيط والمألوف، مادة تشكل بها أروع إبداعاتها، التي لا تعتمد الجزالة والفخامة والشاعرية وتكتسب شاعرية خاصة بها، تقيمها في العمق فيتردد صداها عبر المشاهد والمواقف، بين القصص والحكايات الضاحكة المتهكمة، في إيجاز مدروس واقتصاد متعمد ، أسلوب يريد أدبا مهموسا ، أليفا وإنسانيا، يفتح في كوى العادي مشاهد للفرجة والتوق والحلم حين يبدأ في معالجة الواقع .
إن هذه النصوص هي أكثر بكثير من مجرد تمرين أدبي وهي تؤسس لحكمة وتنطوي على موقف، ونظرة إلى الدنيا، مجردة من الوهم والخداع، بتهكمها وسخريتها وشكها وريبتها، ومفاعيل رؤاها ووضوحها، كما يقول الناقد الفرنسي " ميلان كون ديرا " في كتابه الموسوم " بالستار ".
هذا الأسلوب المتجزئ ،الذي يحيل على أساليب القص العربي متلمسا إيجازها وبلاغتها ، وطرق تبليغها. أبطاله عاديون بعيدون عن العجلة والتوتر. ألفاضها جميلة وبسيطة وباسمة، تتوهج عند التأمل كما تتوهج زهرة " الصليعاء"( )غب المطر. فاستطاع كاتبها بهذا الأسلوب، التسلل إلى كثير من خفايا النفس البشرية، مسلطا عليها نورا كاشفا، بطريقة لا تتوفر حتى لبعض علماء النفس المحترفين .
تحضرني في هذا الصدد قولة لعالم النفس الشهير " سيجموند فرويد " :" الشعراء والقصـاصون ،هم حلـفاء لنا ( نحن علماء النفس ) موثوق بهم، وشهاداتهم يجب أن تقدر تقديرا كبيرا ، لأنهم يعلمون أشياء بين السماء والأرض ،لا تستطيع حكمتنا المدرسية أن تحلم بها، إنهم معلمونا في معرفة النفس البشرية ..."

إن التجزئة في الكتابة، توفر مزيدا من الحرية للمبدع، فهي عن طريق العنونة الفرعية ، تيسر التعدد والتنوع . فالعنوان محـطة يــتغير فيها الراوي، وفرصة للقارئ لتجديد الانتباه، والاستعداد لما سيطرأ على السرد من تحول ، من حيث مضمون المستوى الحكائي، أو مضمون الخطاب ،.علاوة على ذلك فإن هذا الأسلوب يجعل السارد في غنى عن الاحتيال واقتناص الفرص التي تمكنه من ربط الأحداث والأفكار ببعضها لكي يحافظ على تماسكها وتسلسلها كما هو في السرد " التقليدي "

بقلم سالم دمدوم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
قراءة في رواية أين جسدي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» قراءة في رواية موسم التأنيث
» قراءة في رواية المتهمون لسالم دمدوم
» مقتطفات من رواية رؤى
» قراءات في رواية سرنديب
» حفل توقيع رواية خبر النقيشة بإتحاد الكتاب فرع تطاوين

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
ملتقـــــى جمعيـــة الوشــــم الأدبــــي :: منتدى جمعية الوشم الأدبي :: منتدى النقد :: بوابة نقد السرد-
انتقل الى: